الجمعة 16 جمادى الآخرة 1442 هـ

المةافق 29 يناير 2021م

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن الله تبارك وتعالى جعل لانتهاء هذه الدنيا وزوالها، وقتاً محدداً وأجلاً مقدراً لا تتقدم عنه ولا تتأخر…هذا وإنَّ ما بقي من الدنيا بالنسبة لما مضى منها قليل، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل لذلك فقال: (إنَّما بَقاؤُكُمْ فِيما سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ، كما بيْنَ صَلاةِ العَصْرِ إلى غُرُوبِ الشَّمْسِ) ففي هذا الحديث مثَّل النبي صلى الله عليه وسلم الدنيا بيوم من أيامها، فيكون ما مضى من عمر الدنيا بالنسبة لذلك اليوم كما بين الفجر إلى العصر، ويكون الباقي من عمرها كما بين العصر والمغرب، وهذا في زمنه صلى الله عليه وسلم فكيف بزمننا هذا؟  فإذا جاء الوعد الحق أذن الله سبحانه بانصرام هذه الدنيا وانتهاء وقتها، وحينئذٍ تقوم الساعة لردِّ الناس إلى مولاهم الحق فينبئهم بما كانوا يعملون.

وقد اختص الله سبحانه وتعالى بعلم الساعة، فلا يعلم وقتها أحدٌ لا مَلَك مقرب ولا نبيٌّ مرسل، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا، فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا، إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا، إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)

ووقوع علامات الساعة وما فيها من الأمور الغيبية دليلٌ على صدْق النبي صلى الله عليه وسلم وعَلَمٌ على نبوَّته، حيث أخبر عن أمور غيبية لا تُدرك بالظن والخرص، وقد حصلت على وَفق ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

كما أن معرفة علامات الساعة والإيمان بها ومشاهدة ما نطق به النصُّ منها، مما يُثَبِّت قلوب المؤمنين، ويزيدهم إيماناً وتصديقاً، ويعينهم على الصبر على الطاعة وملازمة العمل الصالح، لمعرفتهم بقرب أفول شمس هذه الدنيا، فلا يستطيلون بلاءً ولا يغترُّون بنعيم، قال الله عز وجل: ﴿وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ، وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾. ولحكمته البالغة فقد جعل سبحانه لاقتراب يوم القيامة أموراً تتقدمه، وعلامات تدل عليه، قال تعالى: (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) وهذه الأشراط هي العلامات الدالة على قرب قيام الساعة. واعلموا رحمني الله تعالى وإياكم: أن أشراط الساعة؛ أي العلامات الدالة على وقوعها وقربها كثيرة، وأنها تنقسم إلى علامات صغرى، وعلامات كبرى، وكلها تقع قبيل قيام الساعة: فالعلامات الصغرى قد ظهر ووقع منها عدد كثير، وإن كل علامة منها تدل على صدق نبوة رسولنا صلى الله عليه وسلم وتقررها، لذا فإن ذكر هذه العلامات والتذكير بها؛ يقوي الإيمان، ويوقظ النائم، وينبه الغافل، ويحفز المسلم لاستغلال واستثمار أوقاته لشحن رصيده للدار الآخرة، وعمارة الكون بما ينفعه فيهما، وهو تحقيق الإيمان والإكثار من الأعمال الخيِّرة الصالحة، والتخلي والابتعاد عن الذنوب والمعاصي والأعمال الفاسدة، مع التزود الوافر والكافي من الخيرات والطاعات والقربات قبل فوات الأوان بانتهاء الأوقات.

وإليكم – إخواني الكرام وأخواتي الكريمات – بعض تلك العلامات الصغرى التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم والتي  قد ظهر ووقع منها عدد كثير، وقد وردت فيها أحاديث صحيحة،  فمن هذه العلامات؛ أولاً: بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته: قال صلى الله عليه وسلم: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ: وَضَمَّ بين أصبعيه السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى) إشارة إلى القرب الذي في علم الله وحسابه،لا في علم البشر وحسابهم، وهو آخر الأنبياء. وذكر في أحاديث أخرى أن موته من علامات الساعة..

ثانياً: انشقاق القمر:وهي آية تدل على صدقه صلى الله عليه وسلم: فقد سأل  أَهْلَ مَكَّةَ رَسُولَ اللهِ، أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ مَرَّتَيْنِ… وقد صرح القرآن الكريم بذلك: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ،  وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)

ثالثاً:إخباره صلى الله عليه وسلم عن نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى: حيث قال: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى) وقد ذكر المؤرخون أن الأمر وقع كما اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد انفجرت نار بالحجاز في القرن السابع الهجري أضاءت أعناق الإبل ببصرى في أرض الشام.

رابعاً:إخباره عن وقوع الفتوحات والحروب: فقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق للعالم كله: قال تعالى: (هُوَ الَّذِي  أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وكان صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه بالفتوحات على رغم ما كانوا عليه من الشدة، فيقول: (وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) ويقول: (إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ) وأخبر أصحابه بزوال ملك كسرى وقيصر: فقال (إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)  وأخبر أصحابه بفتح مقري الدولة الرومية الشرقية والغربية، قسطنطينية، فقد سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ: مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً، يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ. ووقع ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم.

خامساً: وكان صلى الله عليه وسلم يخبر أصحابه بشيوع الأمن المفقود في الجزيرة العربية بعد ظهور الإسلام، ويقول لأحد الصحابة: (فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ (أي المرأة) تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ (بالعراق) حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَداً إِلا اللَّهَ)..

سادساً:إخباره صلى الله عليه وسلم عن توقف الجزية والخراج: وهو بداية ضعف المسلمين قيل السبب هو: استيلاء الاستعمار على هذه البلاد فيمنعون ذلك: قال صلى الله عليه وسلم: مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ) سابعاً:إخباره عن ظهور الفتن في الأمة: فالابتلاء بالفتن كائن في الأمة: قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) وإخباره صلى الله عليه وسلم عن شدتها: فقال: (يكونُ بينَ يدَيِ الساعَةِ فِتَنٌ كقِطْعِ الليلِ المُظلِمِ يُصبِحُ الرجُلُ مؤمِناً ويُمسِي كافِراً ويُصبِحُ كافِراً ويُمسِي مؤمِناً يَبيعُ أقوامٌ دِينَهم بعَرَضٍ منَ الدُّنيا) عباد الله: وأخبر صلى الله عليه وسلم  في عدة أحاديث عن العلامات الصغرى أيضاً التي وقعت وما زالت تقع، منها قوله: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كل يزعم أنه رسول الله، وحتى يظهر الجهل، ويقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويظهر الزنا، والربا، وتكثر النساء، ويقل الرجال وتشرب الخمور وتظهر القينات والمعازف وتخرج النساء الكاسيات العاريات المتبرجات المائلات المميلات ويتقارب الزمان ويتقاصر، ويصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وتظهر الفتن، وتنتشر الأمراض والأوبئة، ويكثر الهرج وهو القتل، وحتى يكثر فيهم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه لا إرب لي به أي لا حاجة لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني كنت مكانه، وحتى يكثر موت الفجأة، ولا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع؛ (أي السيء الرديء)، ولا تقوم الساعة حتى تتداعى علينا الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) وبين يدي الساعة سنوات خداعة، يتهم فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة، وهم الفسقة والسفهاء، الذين يتكلمون في أمر العامة، وتضيع الأمانة، فتوسد الأمور إلى غير أهلها، ويرفع العلم، ويقبض العلماء، ويكثر الجهل، ويوضع الأخيار، ويرفع الأشرار ويقربون، ويتباهى الناس في المساجد، فيحسنوا بناءها وعمارتها وزخرفتها، ويضيعوا الصلاة والفرائض التي ما بنيت المساجد إلا لأجلها.

أيها المؤمنون: وأما علامات الساعة الكبرى فهي علامات تظهر وتقع قبل قيام الساعة بزمن قليل، وعندها يغلق باب التوبة فلا تقبل توبة التائبين.(هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ۗ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ۗ قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ)

وقبل ظهور تلك العلامات الكبرى يخرج رجل من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه المهدي،(محمد بن عبد الله) يؤيد الله به الدين، ويحكم بشريعة الله، ويقيم أمر الله في أرض الله، يملك سبع سنين ، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وتخرج الأرض نباتها، وتمطر السماء قطرها، ويفيض المال. وتنعم الأمة في عهده نعمة لم تنعمها من قبل، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تذهبُ الدُّنيا حتَّى يملكَ العربَ رجلٌ من أهلِ بَيتي يواطئُ اسمُهُ اسمي،  واسْمُ أبيهِ اسْمَ أبي)  وعلامات الساعة الكبرى، عشر علامات تقوم بعدها القيامة مباشرة، نذكرها من غير تفصيل كما وردت في الحديث الصحيح  عن حذيفة الغفاري رضي الله عنه قال: اطَّلَع النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّم علينا ونحن نتَذاكَرُ، فقال ما تَذكُرونَ قالوا نَذكُرُ الساعةَ، قال إنها لن تَقومَ حتى ترَوا قبلَها عشْرَ آياتٍ: فذَكَر الدُّخانَ، والدجَّالَ، والدابَّةَ، وطُلوعَ الشمسِ من مَغرِبِها، ونُزولَ عيسى ابنِ مريمَ عليه السلام، ويَأجوجَ ومَأجوجَ، وثلاثَ خُسوفٍ، خَسفٌ بالمَشرِقِ، وخَسفٌ بالمَغرِبِ، وخَسفٌ بجزيرةِ العربِ، وآخِرُ ذلك نارٌ تَخرُجُ من اليمَنِ تَطرُدُ الناسَ إلى مَحشَرِهم)… والعلامات الكبرى لم يقع منها شيءٌ بعد، أما الصغرى فمنها ما وقع وانقضى، ومنها ما لم يقع إلى الآن، ومنها ما وقع ولا يزال مستمرّاً في الوقوع.

عباد الله: إن الواجب على كل مسلم ومؤمن أن يصدق بهذه العلامات، ويوقن بوقوعها، ويؤمن بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك واقعٌ لا محالة، ولا يكمل إيمان عبد حتى يؤمن بذلك؛ إذ الإيمان بها ركن من أركان الإيمان…

وخير ما يعمله المؤمن والمؤمنة يا عباد الله أمام هذه العلامات التي يعايشها، أن يحسن الاستعداد والمنافسة في ميادين الأعمال الصالحة مع التوبة الخالصة والعزيمة الصادقة، فاعملوا رحمكم الله، صالحاً لتنجوا في هذا اليوم العظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين… نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يقينا شر الفتن والمحن ويختم لنا بخاتمة السعادة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن كل ما ذكرناه من أشراط الساعة وعلاماتها وإماراتها، من أنباء الغيب، نؤمن به لقيام الدليل والبرهان عليه من كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، ولو غاب كثير منه عن عقولنا وشواهدنا. وقصرت عنه حواسنا، ولكنه يقين حاضر بأدلته القطعية وبراهينه العلمية، وإنكم لتعلمون أن الملاحدة والماديين من أهل هذا العصر، هم أشد الناس تجاهلاً وسخرية للساعة وأشراطها وعلاماتها، وأكثر الناس صدوداً عنها، وما كانوا إلا دعاة لعبادة الجسد والمتع وعبادة الدنيا، ما يذكرون الله تعالى ربهم في جليل ولا خطير، ولا يذكرون بلقائه لا في الليل ولا في النهار.

لقد تواطأ على ذلك ملاحدة الشرق والغرب الشيوعيون منهم والزنادقة، ومن هم على شاكلتهم، إنهم لم يرفعوا أيديهم إلى السماء قط، ولم يسجدوا لله سجدة .. لقد ولوا وجوههم عن الآخرة. في قلوب فارغة، وعقائد منحرفة خربة، عصر مادي طافح بالرغبات والمتع والغرائز والشهوات الجامحة.. وصدق الله العظيم حيث يقول: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ويقول (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ ٱلنَّاسِ عَلَىٰ حَيَوٰةٍۢ) فالدنيا هي جنتهم وهي نارهم…إن التقدم المادي الكبير، الذي أحرزه أهل هذا العصر في مضمار العلوم والتقنيات والتجريب والفرضيات، زعزع عندهم كثيراً من العقائد الإيمانية والمعتقدات الغيبية.. لكن؛ لماذا ينكرون هذه الأشراط والعلامات والأمارات؟ وفي علوم العصر ومعارفه ومكتشفاته ومخترعاته ومواصلاته واتصالاته، ما يجعل هذه الأشياء جديرة بالتصديق، ممكنة الوقع، معقولة التصور، مما لم يدركه السابقون أو يعرفه المتقدمون..

وما العجب في ذلك  يا عباد الله  وقد رأى أهل هذا العصر، ما قرب البعيد وطوى المسافات، وقارب الزمن، حتى سمي عصرنا بعصر التفجر التقني والتكنولوجي في وسائل الاتصال، وانتقال المعلومات؛ بل إن هناك آيات في الأنفس من أمراض وأوبئة لم تكن معروفة فيمن سبق، وكثرة موت الفجأة، والحوادث والحروب، والفتن والصراع على موارد المياه، وما يسمونه بالسلع الإستراتيجية والموارد الطبيعية والصناعية، وغزو الفضاء بالأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، ووسائل التواصل الحديثة، ألم يكن في الأشراط والأمارات، والمتغيرات المتسارعات، ما يذكر أهل الغفلة والاغترار، ويزيد في بصر أولي البصائر والأبصار؟! لعلهم أن ينتهوا من الذنوب والمعاصي والنكران، وتلين منهم قاسيات القلوب، ويغتنموا المهلة والفرصة قبل فوات الأوان… ولكن ما أشد جحود الجاحدين؟

وما أعظم إنكار المنكرين؟ ينعمون بفضل الله تبارك وتعالى وجوده وكرمه، وينكرون عبوديته ووجوده: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) وبعد – أيها الأخوة والأخوات في الله- فإن أهل العلم والإيمان واليقين يؤمنون بما جاء من عند ربهم، وأخبر به نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ بل وتطمئن به قلوبهم، وتنشرح به صدورهم، سواء أدركته عقولهم أو لم تدركه: (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) وقال صلى الله عليه وسلم: (بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعاً (أي قبل حلول سبع): هل تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْراً مُنْسِياً، أَوْ غِنًى مُطْغِياً، أَوْ مَرَضاً مُفْسِداً، أَوْ هَرَماً مُفَنِّداً، أَوْ مَوْتاً مُجْهِزاً، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ؟) فاللهم يا ذا الحبل الشديد، والأمر الرشيد؛ نسألك الأمن يوم الوعيد، والجنة يوم الخلود، مع المقربين الشهود، الركع السجود، الموفين بالعهود، إنك رحيم ودود، تفعل ما تريد… اللهم اجعل في قلوبنا نوراً نهتدي به إليك، وتولنا بحسن رعايتك حتى نتوكل عليك، وارزقنا حلاوة التذلل بين يديك، فالعزيز من لاذ بعزك، والسعيد من التجأ إلى حماك وحرزك، والذليل من لم تؤيده بعنايتك، والشقي من رضي بالإعراض عن طاعتك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك.

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين… اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم أصرف عنا وعن بلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمعين الأوبئة وسيئ الأسقام والأمراض ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا الوباء، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا بالإيمان والتقوى، وبلادنا بالأمطار والخيرات يارب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا وارحم مواتنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

       خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين